الحمد لله رب العالمين، خلق الأولين والآخرين، القائل في كتابه الكريم:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الأخ المبارك لعلك وأنت تقلب صفحات هذه المطوية تشحذ تفكيرك وتركز
على ما سأعرضه عليك بين ثنايا سطورها، فلن تعدم الفائدة - إن شاء الله -
وقد تجد بغيتك فيها، أو تكون ممن أمضى وقته في قراءة نافعة، وهي من أنسب
ما يقوم به الشخص في مثل هذه الحالة التي أنت بها الآن.
أخي إن مما يجب عليك أن تعلمه أن الله خلق كل شيء لحكم جليلة، وهذه الحكم قد تكون ظاهرة حينا وقد تغيب أحيانا، قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
[الأنعام:132]. فقد خلق سبحانه الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا،
وخلق الصحة والمرض لينظر هل يكون من الشاكرين لنعمه أو من الصابرين على
ابتلائه، فالحياة تدور كلها على الابتلاء والامتحان، والفائز الحقيقي هو
من يجتازها وقد أرضى الله بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، لا بما يرضي نفسه
وهواه وشيطانه، واعلم أن من ابتلاء الله لك أن تأتي إلى هذا المكان الذي
لا يأتيه غالبا إلا أحد اثنين، إما شخص يريد أن يكشف على نفسه للتأكد من
سلامة جسده من العلل والأسقام، والتي لا يخلو منها أكثر الناس، أو شخص
أصيب بمرض معين يريد الخلاص منه بأسرع ما يمكن، وقد أقض مضجعه وسبب لصاحبه
من الهم والغم الشيء الكثير، فيأتي يريد العلاج - بإذن الله تعالى - ولا
شك أن ذلك من فعل الأسباب التي أباح لنا الشارع فعلها، وقد أمرنا رسول
الله
بالتداوي، والذي أحب أن أذكرك به هو أن هذا المرض الذي حل بك هو من عند
الله سبحانه وتعالى، قد كتبه وقدره عليك قبل أن تخلق، فلا تتسخط وارض بما
قدر عليك، فإنك لا تعلم أين يكون لك الخير. فقد يكون من ثمار ما أصابك هو
تكفير سيئاتك وذنوبك التي عملتها وأنت صحيح معافى في هذه الدنيا، أو لرفع
درجاتك في الجنة، قال رسول الله : { ولا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة }. وعند مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله : {
عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه
سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله
للمسلم خير }.
أخى الكريم، إن مما يجب عليك معرفته والإيمان به أنه لا يمكن أن
يزول ما بك من مرض إلا بإذن الله تعالى، فإذا أراد الله لك الشفاء يسر لك
أسبابه، ومنها مجيئك إلى الطبيب الذي يصف لك الدواء المناسب، إذا فالشافي
هو الله وحده، قال تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
[الشعراء:80]، وإن ما يفعله كثير من الناس بتعلقهم بالمخلوقين وحدهم في
رفع المرض، لهو خلل كبير في عقيدة من يفعل ذلك، يحتاج من المريض معالجته
قبل معالجة المرض الحسي الذي يسعى لعلاجه، ولهذا يجب على المسلم أن يحرص
أن يكون الدواء مباحا، ومن طريق مباح، فلا يلجأ إلى الحرام مهما بلغت
الأسباب، كأن يذهب إلى عراف أو ساحر أو غير ذلك مما يجعل الشخص المريض
يعالج شيئا يسيرا حل به - وقد يكون خيرا له في آخرته - وفي مقابل ذلك يخسر
أهم ما يملك وهو إيمانه بالله، وهذا ما يقع فيه بعض الناس ولا حول ولا قوة
إلا بالله.
وأحب أخي المبارك أن أبين لك بعضا من فوائد المرض التي ذكرها العلماء، حتى تستشعرها وتحتسب ما أصابك عند الله عز وجل، ومنها:
- أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته ومن ثم لا يغفل عن شكرها.
- أنه يعرف به صبر العبد.
- قرب الله من المريض.
- أن يعرف العبد مقدار نعم الله عليه في بقية أعضاءه التي لم تمرض.
- تهذيب للنفس وتصفية لها من الشر.
- انتظار المريض الفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج.
- تخويف العبد.
- أن الله يستخرج به الشكر.
- أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير.
- أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في الاخرة أضعاف ما يحصل له من المرض.
- وأخيرا أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها بعمله
ابتلاه الله في جسده. أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله : { إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها }.
ولعلك تسمح لي في هذه العجالة أن أسألك عن شيء مهم للغاية مادمت في
فسحة من الأجل، وقد يغيب عن الذهن لاسيما مع ظروف الحياة ومشاكل العصر
التي لا تزداد إلا كثرة وتعقيدا، وهو ما يتعلق بعضو في جسدك، وهو أغلى ما
تملك، أخي، ماذا عن قلبك هل سبق وأن كشفت عليه؟ هذه المضغة التي إذا صلحت
صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، أليس إذا أردنا أن نعرف هل
العين تؤدي وظيفتها نختبرها بالرؤية، والأذن نختبرها بالسمع، فكذلك القلب
نختبره بمقدار تعلقه بالله، فإن كان كذلك فهو سليم، وإلا فهو مصاب بمرض
"الغفلة". واعلم - سددك الله - أن تركيز الشيطان منصب على القلب، فهو لا
يمل في إرسال جنوده واحدا تلو الآخر حتى يوقع المؤمن في هذا المرض المقيت،
وبعد ذلك لا تسأل عما يجري من وساوس وأوهام وقلق لا تنفك عن صاحبها إلا
بالرجوع إلى واحة "ذكر الله"، فتنقلب الهموم والأحزان إلى راحة واطمئنان،
قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
[الرعد:28]. ومما يجعل هذا المرض "الغفلة" يستفحل في قلب المؤمن، أنه خفي
عن الأعين، غير محسوس في الظاهر، فلذلك يغفل عنه، وإن عرفه صعب عليه الصبر
على مرارة دوائه؟ لأن دواءه مخالفة الهوى، وإن وجد الصبر لم يجد طبيبا
حاذقا يعالجه.
وقد قال ابن القيم رحمه الله: ( خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر ) ا هـ.
فإذا عرفت أن قلبك حي بذكر الله ومراقبته في جميع الأحوال، فاحمد
الله وأسأله الثبات على هذه النعمة ولا تنس شكرها، فبالشكر تدوم النعم،
وأما إن كان غافلا فاعلم أنه مريض يحتاج إلى علاج سريع وعملي لا يقوم بها
إلا أنت، فالعلاج بيدك وحدك، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ
[الرعد:11]. ومن عجب أن ترى الإنسان إذا علم أن به مرضا معينا قلق وزاد
همه، وحرص على علاجه بأسرع وقت، لاسيما إذا كان مرضه خطيرا، ولا يحرك هذا
الشخص ساكنا، بل وينام قرير العين إذا علم أنه مبتلى بالغفلة، قال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
[الكهف:28]، وهذا المرض هو الذي يجب على الإنسان أن يفطن له ويبدأ بعلاجه
قبل أي مرض آخر، حتى وإن كان مرض السرطان؟ لأن مريض السرطان إن كان مؤمنا
بالله مستقيما على طاعته، ثم مات على ذلك، فهو على خير لإيمانه بالله
وصبره على قدره الذي كتبه الله عليه، فيجزيه أحسن الجزاء، يقول تعالى: هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ [الرحمن:60].
أما مريض "الغفلة" فهو على خطر كبير في الآخرة ولو كان في الدنيا
منعما، وأذكر لك أخي الكريم بعض الآيات التي تبين فداحة الوقوع في هذا
المرض، فتأملها يا رعاك الله، قالى تعالى:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ
هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
فالله سبحانه خلق لجهنم كثيرا من الجن والإنس وشبههم بالحيوانات مع
العلم أن لهم قلوبا وأعينا وآذانا ولكنها صرفت في غير مرضاة الله، لذلك
سماهم الله في آخر الآية بالغافلين. إن أكثر الناس مصاب "بالغفلة" وهي
أعظم داء، وقال تعالى:
إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ
الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا
غَافِلُونَ (7) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ
يَكْسِبُونَ
[يونس:8،7]، تفيد هذه الآية، أن من أسباب دخول النار أن يغفل العبد في
الدنيا عن آيات ربه الكونية والشرعية، وما أكثرهم، نسأل الله أن لا نكون
منهم. وقال تعالى في وصف الكفار: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]، فمن غفل عن آخرته فقد تشبه بالكفار، ومن تشبه بقوم حشر معهم، وقال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ
[الأنبياء:1]، فبين الرب تباركت أسماؤه أن الغفلة تجعل العبد في إعراض
وصدود عن حكمة خلقه وإيجاده ثم حسابه. وقال تعالى على لسان الكفار: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97]. تبين هذه الآية العظيمة أن الإنسان الغافل ظالم لنفسه بشهادته عليها.
قال ابن القيم رحمه الله: ( الغفلة تتولد عن المعصية كما يتولد
الزرع عن الماء والحرارة عن النار، وجلاءه بالذكر، وإن القلب ليمرض كما
يمرض البدن وشفاؤه بالتوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة، وجلاءه
بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم، وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع
البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة ) اهـ.
وقد أنشد عمران بن حطان:
وختاما أخي المبارك، اعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرا بصره
بعيوب نفسه، فمن كانت له بصيرة، لم تخف عليه عيوبه، وإذا عرف العيوب أمكنه
العلاج، ولكن أكثر الناس جاهلون بعيوبهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه،
ولا يرى الجذع في عينه.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعجل لنا ولك بالشفاء
التام من جميع الأمراض الحسية والمعنوية، وأن يجعل قلوبنا يقظة بذكره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الأخ المبارك لعلك وأنت تقلب صفحات هذه المطوية تشحذ تفكيرك وتركز
على ما سأعرضه عليك بين ثنايا سطورها، فلن تعدم الفائدة - إن شاء الله -
وقد تجد بغيتك فيها، أو تكون ممن أمضى وقته في قراءة نافعة، وهي من أنسب
ما يقوم به الشخص في مثل هذه الحالة التي أنت بها الآن.
أخي إن مما يجب عليك أن تعلمه أن الله خلق كل شيء لحكم جليلة، وهذه الحكم قد تكون ظاهرة حينا وقد تغيب أحيانا، قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
[الأنعام:132]. فقد خلق سبحانه الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا،
وخلق الصحة والمرض لينظر هل يكون من الشاكرين لنعمه أو من الصابرين على
ابتلائه، فالحياة تدور كلها على الابتلاء والامتحان، والفائز الحقيقي هو
من يجتازها وقد أرضى الله بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، لا بما يرضي نفسه
وهواه وشيطانه، واعلم أن من ابتلاء الله لك أن تأتي إلى هذا المكان الذي
لا يأتيه غالبا إلا أحد اثنين، إما شخص يريد أن يكشف على نفسه للتأكد من
سلامة جسده من العلل والأسقام، والتي لا يخلو منها أكثر الناس، أو شخص
أصيب بمرض معين يريد الخلاص منه بأسرع ما يمكن، وقد أقض مضجعه وسبب لصاحبه
من الهم والغم الشيء الكثير، فيأتي يريد العلاج - بإذن الله تعالى - ولا
شك أن ذلك من فعل الأسباب التي أباح لنا الشارع فعلها، وقد أمرنا رسول
الله
بالتداوي، والذي أحب أن أذكرك به هو أن هذا المرض الذي حل بك هو من عند
الله سبحانه وتعالى، قد كتبه وقدره عليك قبل أن تخلق، فلا تتسخط وارض بما
قدر عليك، فإنك لا تعلم أين يكون لك الخير. فقد يكون من ثمار ما أصابك هو
تكفير سيئاتك وذنوبك التي عملتها وأنت صحيح معافى في هذه الدنيا، أو لرفع
درجاتك في الجنة، قال رسول الله : { ولا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة }. وعند مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله : {
عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه
سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله
للمسلم خير }.
أخى الكريم، إن مما يجب عليك معرفته والإيمان به أنه لا يمكن أن
يزول ما بك من مرض إلا بإذن الله تعالى، فإذا أراد الله لك الشفاء يسر لك
أسبابه، ومنها مجيئك إلى الطبيب الذي يصف لك الدواء المناسب، إذا فالشافي
هو الله وحده، قال تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
[الشعراء:80]، وإن ما يفعله كثير من الناس بتعلقهم بالمخلوقين وحدهم في
رفع المرض، لهو خلل كبير في عقيدة من يفعل ذلك، يحتاج من المريض معالجته
قبل معالجة المرض الحسي الذي يسعى لعلاجه، ولهذا يجب على المسلم أن يحرص
أن يكون الدواء مباحا، ومن طريق مباح، فلا يلجأ إلى الحرام مهما بلغت
الأسباب، كأن يذهب إلى عراف أو ساحر أو غير ذلك مما يجعل الشخص المريض
يعالج شيئا يسيرا حل به - وقد يكون خيرا له في آخرته - وفي مقابل ذلك يخسر
أهم ما يملك وهو إيمانه بالله، وهذا ما يقع فيه بعض الناس ولا حول ولا قوة
إلا بالله.
وأحب أخي المبارك أن أبين لك بعضا من فوائد المرض التي ذكرها العلماء، حتى تستشعرها وتحتسب ما أصابك عند الله عز وجل، ومنها:
- أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته ومن ثم لا يغفل عن شكرها.
- أنه يعرف به صبر العبد.
- قرب الله من المريض.
- أن يعرف العبد مقدار نعم الله عليه في بقية أعضاءه التي لم تمرض.
- تهذيب للنفس وتصفية لها من الشر.
- انتظار المريض الفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج.
- تخويف العبد.
- أن الله يستخرج به الشكر.
- أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير.
- أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في الاخرة أضعاف ما يحصل له من المرض.
- وأخيرا أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها بعمله
ابتلاه الله في جسده. أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله : { إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها }.
ولعلك تسمح لي في هذه العجالة أن أسألك عن شيء مهم للغاية مادمت في
فسحة من الأجل، وقد يغيب عن الذهن لاسيما مع ظروف الحياة ومشاكل العصر
التي لا تزداد إلا كثرة وتعقيدا، وهو ما يتعلق بعضو في جسدك، وهو أغلى ما
تملك، أخي، ماذا عن قلبك هل سبق وأن كشفت عليه؟ هذه المضغة التي إذا صلحت
صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، أليس إذا أردنا أن نعرف هل
العين تؤدي وظيفتها نختبرها بالرؤية، والأذن نختبرها بالسمع، فكذلك القلب
نختبره بمقدار تعلقه بالله، فإن كان كذلك فهو سليم، وإلا فهو مصاب بمرض
"الغفلة". واعلم - سددك الله - أن تركيز الشيطان منصب على القلب، فهو لا
يمل في إرسال جنوده واحدا تلو الآخر حتى يوقع المؤمن في هذا المرض المقيت،
وبعد ذلك لا تسأل عما يجري من وساوس وأوهام وقلق لا تنفك عن صاحبها إلا
بالرجوع إلى واحة "ذكر الله"، فتنقلب الهموم والأحزان إلى راحة واطمئنان،
قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
[الرعد:28]. ومما يجعل هذا المرض "الغفلة" يستفحل في قلب المؤمن، أنه خفي
عن الأعين، غير محسوس في الظاهر، فلذلك يغفل عنه، وإن عرفه صعب عليه الصبر
على مرارة دوائه؟ لأن دواءه مخالفة الهوى، وإن وجد الصبر لم يجد طبيبا
حاذقا يعالجه.
وقد قال ابن القيم رحمه الله: ( خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر ) ا هـ.
فإذا عرفت أن قلبك حي بذكر الله ومراقبته في جميع الأحوال، فاحمد
الله وأسأله الثبات على هذه النعمة ولا تنس شكرها، فبالشكر تدوم النعم،
وأما إن كان غافلا فاعلم أنه مريض يحتاج إلى علاج سريع وعملي لا يقوم بها
إلا أنت، فالعلاج بيدك وحدك، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ
[الرعد:11]. ومن عجب أن ترى الإنسان إذا علم أن به مرضا معينا قلق وزاد
همه، وحرص على علاجه بأسرع وقت، لاسيما إذا كان مرضه خطيرا، ولا يحرك هذا
الشخص ساكنا، بل وينام قرير العين إذا علم أنه مبتلى بالغفلة، قال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
[الكهف:28]، وهذا المرض هو الذي يجب على الإنسان أن يفطن له ويبدأ بعلاجه
قبل أي مرض آخر، حتى وإن كان مرض السرطان؟ لأن مريض السرطان إن كان مؤمنا
بالله مستقيما على طاعته، ثم مات على ذلك، فهو على خير لإيمانه بالله
وصبره على قدره الذي كتبه الله عليه، فيجزيه أحسن الجزاء، يقول تعالى: هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ [الرحمن:60].
أما مريض "الغفلة" فهو على خطر كبير في الآخرة ولو كان في الدنيا
منعما، وأذكر لك أخي الكريم بعض الآيات التي تبين فداحة الوقوع في هذا
المرض، فتأملها يا رعاك الله، قالى تعالى:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ
هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
فالله سبحانه خلق لجهنم كثيرا من الجن والإنس وشبههم بالحيوانات مع
العلم أن لهم قلوبا وأعينا وآذانا ولكنها صرفت في غير مرضاة الله، لذلك
سماهم الله في آخر الآية بالغافلين. إن أكثر الناس مصاب "بالغفلة" وهي
أعظم داء، وقال تعالى:
إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ
الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا
غَافِلُونَ (7) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ
يَكْسِبُونَ
[يونس:8،7]، تفيد هذه الآية، أن من أسباب دخول النار أن يغفل العبد في
الدنيا عن آيات ربه الكونية والشرعية، وما أكثرهم، نسأل الله أن لا نكون
منهم. وقال تعالى في وصف الكفار: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]، فمن غفل عن آخرته فقد تشبه بالكفار، ومن تشبه بقوم حشر معهم، وقال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ
[الأنبياء:1]، فبين الرب تباركت أسماؤه أن الغفلة تجعل العبد في إعراض
وصدود عن حكمة خلقه وإيجاده ثم حسابه. وقال تعالى على لسان الكفار: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97]. تبين هذه الآية العظيمة أن الإنسان الغافل ظالم لنفسه بشهادته عليها.
قال ابن القيم رحمه الله: ( الغفلة تتولد عن المعصية كما يتولد
الزرع عن الماء والحرارة عن النار، وجلاءه بالذكر، وإن القلب ليمرض كما
يمرض البدن وشفاؤه بالتوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة، وجلاءه
بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم، وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع
البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة ) اهـ.
وقد أنشد عمران بن حطان:
حتى متى تسقى النفوس بكأسها *** ريب المنون وأنت لاه ترتع؟
أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى *** وإذا المنية كل يوم تدفع
أحلام نوم أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع
فتزودن ليوم فقرك دائبا *** واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع
أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى *** وإذا المنية كل يوم تدفع
أحلام نوم أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع
فتزودن ليوم فقرك دائبا *** واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع
وختاما أخي المبارك، اعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرا بصره
بعيوب نفسه، فمن كانت له بصيرة، لم تخف عليه عيوبه، وإذا عرف العيوب أمكنه
العلاج، ولكن أكثر الناس جاهلون بعيوبهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه،
ولا يرى الجذع في عينه.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعجل لنا ولك بالشفاء
التام من جميع الأمراض الحسية والمعنوية، وأن يجعل قلوبنا يقظة بذكره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.