بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فهناك لون من الاحتفال يمكن أن نقره ونعتبره نافعاً للمسلمين، ونحن نعلم أن
الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه
وسلم ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، لماذا؟
لأن هذه الأشياء عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول صلى الله عليه وسلم،
كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد
بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر
وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه
الأشياء.
ثم جاء عصر نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم
وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت والتذكير بهذه
المآثر التي نُسيت، صحيح اتُخِذت بعض البدع في هذه الأشياء ولكنني أقول
إننا نحتفل بأن نذكر الناس بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة
المحمدية، فعندما أحتفل بمولد الرسول فأنا أحتفل بمولد الرسالة، فأنا
أذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله.
وفي
هذه المناسبة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس،
لأربط الناس بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب 21] لنضحي
كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي صلى الله عليه
وسلم، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط
كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له
أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: "يا أبا
بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".
نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني،
أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي
صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن
هذا فليست من الاحتفال؛ ولا نقر أحدًا عليها
من موقع الدكتور يوسف القرضاوي.