إن طريق الدعوة محفوفة بالمكاره والعقبات ليميز الله الداعي من المدعي
وليعظم الأجر لمن يصدق في البذل والتضحية في سبيل نشر هذا الدين والعمل له
،وسوف نستعرض في هذه الحلقات بعض المشكلات والعقبات التي تواجه الدعوة في
الأوساط النسائية مع اقتراح بعض الحلول لها علها تنفع الداعيات بإذن الله
تعالى
المشكلة الأولى: قلة عدد النساء الداعيات:
وهذه القلة يعاني منها الكثيرون؛ ولذلك نجد جهلاً كبيرًا في أوساط
الفتيات، حتى في المدن، فضلاً عن القرى والأرياف، والمناطق النائية.
حلول هذه المشكلة:
والحل أمام هذه المشكلة يتمثل في عدة أمور أعرضها باختصار؛
الحل الأول : أن تحرص الأخت المسلمة على مشاركة جميع النساء في الدعوة إلى
الله -تعالى-، حتى مع وجود شيء من التقصير. وينبغي أن نضع في أذهان النساء
والرجال -أيضًا- أنه لا يشترط في الداعية أن تكون كاملة؛ فالكمال في البشر
عزيز، وما من إنسان إلا وفيه نقص، لكن هذا النقص لا يمكن أن يحول بين ذلك
الإنسان، وبين قيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى، فأنت تدعو إلى ما عملت؛
بل حتى مالم تعمل به، تدعو إليه بطريقتك الخاصة.
فالإنسان المقصر مثلاً، -رجلاً كان أو امرأة- يمكن أن يبين للناس أن تلك
الأخطاء التي وقع فيها ندم عليها، واستغفر الله منها، ثم يدعوهم لأن
يكونوا أقوى منه عزيمة، وأصلب إرادة، وأصدق إيمانًا، وأخلص لله – عز وجل
-؛ حتى ينجحوا فيما فشل فيه هو. وبذلك يكون هذا الإنسان المقصر، قد دلَّ
على الخير، وله بذلك أجر فاعله - كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله
عنه -( )، حتى ولو كان مقصرًا فيه.
ولو لم يعظ في الناسِ من هو مذنبُ
فمنَ يعظُ العاصين بعـد محمــدِ
ولذلك قال الأصوليون: حق على من يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا!
فوقوع الإنسان في المعصية، لا يسوغ له ترك النهي عنها أبدًا؛ بل ينهى عن
المعصية ولو كان واقعًا فيها، ويأمر بالمعروف ولو كان تاركًا له، وإن كان
الأكمل والأفضل والأدعى للاقتفاء سيرة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-:
(قَالَ يَا قَوْمِ أرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي
وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْـهِ أُنِيبُ) [هود : 88 ]0
إذًا حتى مع التقصير، يجب أن تجر الأخت الداعية الأخريات إلى المشاركة،
فمثلاً بعض الطالبات في المدارس: يمكن أن تشارك الطالبة في إلقاء كلمة، في
توجيه، في إعداد بحث مصغر، في أمور معينة، تحدّث فيها بنات جنسها، من خلال
حلقة المسجد، أو من خلال الدرس، أو أي مناسبة أخرى.. مع مراعاة تعهد هذه
الفتاة بالتوجيه والنصح؛ فكونها قامت، وتكلمت، أو ألقت محاضـرة، أو كلمة
أو أعدَّت بحثًا؛ لا يعني ذلك أنها جاوزت القنطرة، وأصبحت داعية، لا يوجه
إليها أي طلب؛ بل تأمر الناس ولا تؤمر هي!.. كلا؛ بل هي الأخرى أحوج ما
تكون إلى من يقوِّم سيرتها، وينصحها بإتباع القول بالعمل، ويحذرها من
الاغترار والعجب، ويدعوها إلى مواصلة الطريق، والتزود من العلم النافع،
والعمل الصالح.
إن من المهم أن تُتعاهد هذه الفتاة، ويُحرص عليها، وتُنصح، وتوضع في
موضعها الطبعي، فلا يبالغ في الثقة بها، وإطلاق الصفات عليها، بما قد يضر
بها.
ولذلك فإنه يجب أن نفرق بين أمرين:
الأول: أن نحرم تلك الفتاة من حقها في الدعوة والمشاركة؛ بسبب صغر سنها وقلة خبرتها، فهذا لا يصلح.
الثاني: أن نضع في يدها الأمر كله من الألف إلى الياء، وهذا أيضًا لا يصلح.
بل ينبغي أن تكون في مجال التدريب والمساهمة والمشاركة مع أخريات، وأن
نتعاهدها بالنصح والتوجيه، فنقول لها: أصبت هنا، وهنا كنت تحتاجين إلى
مزيد من دراسة الأمر مما أدى إلى الخطأ الذي ينبغي تجنبه.. وفي ميدان
الدعوة تنمو الخبرات، وتكثر التجارب.
الحل الثاني: الاتجاه نحو الجهود العامة:
فبعض النساء تجعل في بيتها جلسة خاصة، أو درسًا خاصًّا، لخمس نسوة فقط من
جيرانها، فلو أنها أقامت محاضرة، أو درسًا عامًّا، أو أمسية؛ لكان من
الممكن أن يشمل مئات النساء، فيكون هذا الجهد المحدود الذي صرفته إلى خمس،
كان من الممكن أن تصرفه إلى خمسين أو إلى خمس مئة امرأة.
بطبيعة الحال، نحن لا نقلل من أهميّة الدروس والجلسات الخاصة؛ فلها أهميتها ولايمكن الاستغناء عنها أو إهمالها.
ولكن مع ذلك فقيام المرأة بنشاط عام: كمحاضرة، أو درس عام، أو ندوة.._
يكون أبلغ في التأثير، وأوسع في المنطقة التي تخاطبها. وبمعنى آخر فالمجلس
الخاص قد يكون أقوى في الامتداد الرأسي، والمجالس العامة أقوى في الامتداد
الأفقي، أي أنه يشمل التأثير على عدد أكبر، وفي كلٍ خير.
الحل الثالث:
التركيز على إعداد جيل من الداعيات ممن يحملن همّ الإسلام، وتنمية معاني الدعوة لديهن.
قد تكون زوجتك -مثلاً- تصلح لهذا، فلا يجوز أن يكون زواجها نهاية المطاف،
أختك، قريبتك، بنت أختك، ذات محرمك؛ ينبغي أن تحرص على إعدادها لتكون
داعية إلى الله تعالى. وكذلك النساء الداعيات من المدرسات، ينبغي أن
يعتنين بإعداد نوعيات من الفتيات، وتهيئتهن وتأهيلهن للقيام بهذه المهمة
الصعبة؛ لأن واحدة من النساء يمكن أن تقوم عن عشر، وكما يقال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ
وواحدٌ كالألفِ إن أمرٌ عَنَا
وهذا صحيح، فربما غلبت امرأة آلاف الرجال، ومن يستطيع أن يأتي في عيار أم
المؤمنين عائشة ،أو خديجة، أو حفصة أو زينب أو أم سلمة - رضي الله
عنهن-...، أو غيرهنَّ من المؤمنات الأُول؟ حتى كبار الرجال تتقاصر هممهم
دونهن، ولازال في هذه الأمة خيرٌ رجالاً، ونساء.
الحل الرابع: الاستفادة من النشاطات الرجالية:
فلماذا نتصور أن نشاط المرأة ينبغي أن يكون محصورًا؟ فالنشاطات الرجالية:
كالدروس -مثلاً-، والمحاضرات، والندوات معظم الكلام الذي يقال فيها يصلح
للرجال ويصلح للنساء أيضًا، والشرع جاء للرجل والمرأة، وخاطب الجنسين
معًا، وما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.
المشكلة الثانية: صعوبة التوفيق بين العمل والدعوة والشؤون المنـزلية:
وهذه -بلا شك- معضلة حقيقية، فالمرأة أمامها العمل، وأمامها الدعوة،
وأمامها الأمور المنـزلية: البيت، الزوج، الأولاد…، إلى غير ذلك، ولعلي لا
أتجاوز الحقيقية إذا قلت: إنها أكبر مشكلة تواجه الداعيات، وعلى عتبتها
تتحطم الكثير من الآمال والطموحات. فكم من فتاة تشتعل في قلبها جذوة
الحماس إلى الدعوة إلى الله تعالى، وتعيش في مخيلتها الكثير من الأحلام
والأمنيات، فإذا تزوجت وواجهت الحياة العملية؛ تبخَّرت تلك الآمال، وذابت
تلك المشاعر، ولم تعد تملك منها إلا الحسرات والأنات، والآهات والزفرات،
والذكريات! حتى أصبح كثير من الفتيات الآن لا يملكن إلا أن يقلن: كنت أفعل
كذا، وكنت أفعل كذا، لكنهن لا يستطعن بحال أن يقلن: نحن نفعل الآن كذا
وكذا.
حلول هذه المشكلة :
إنني لا أزعم أنني أملك حلاً لهذه المعضلة، لكني أحاول المشاركة ببعض الحلول من خلال إضاءات أبينها فيما يلي:
الإضاءة الأولى: تقوى الله – عز وجل - :
إن أول إضاءة في هذا الطريق هي قول الله – عز وجل -: (فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ
ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
[الطلاق: 2، 3]، ويقول الله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ
إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5]، ويقول الله تعالى: (يِا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]. فالتقوى هي أول حل: أن يتقي العبد
ربه، وتتقي الأمة ربها جل وعلا في نفسها، وفي وقتها، وفي زوجها، وفي
عملها، وفي مسئوليتها.
والتقوى ليست معنى غامضًا كما يتصور البعض؛ بل يمكن أن نحدد التقوى في بعض النقاط والأمثلة التالية:
من التقوى: أن تختصر الفتاة ثلاث ساعات تجلسها أمام المرآة، وهي تعبث
بالأصابع، وترسم وتمسح، وتزين شعرها؛ لتصبح هذه الساعات الثلاث نصف ساعة
-مثلاً-، أو ثلث ساعة، دون تفريط في العناية بجمالها لزوجها، الذي هو جزء
من شخصيتها، وجزء من فطرتها.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة مكالمة هاتفية ساعتين مع زميلتها في أحاديث
لا جدوى من ورائها؛ لتكون هذه المكالمة ربع ساعة، أو عشر دقائق في السؤال
عن الحال والعيال، وغير ذلك…، أو المناقشة في موضوعات تهمّ الطرفين دينًا
أو دنيا.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة الوقت المخصص لصناعة الحلوى -مثلاً- من ساعة
ونصف إلى صناعة جيدة وجاهـزة، لا يستغرق تحضيرها –أحيانًا- نصف ساعة.
ومن التقوى: أن تقتصد المؤمنة في نومها، فالنوم من صلاة الفجر إلى الساعة
العاشرة، وبعد الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل _ هذا من عادات الجاهلية،
وامرؤ القيس لما كان يمدح معشوقته، كان يقول: نؤوم الضحى، فيمدحها بكثرة
نومها، لكن في الإسلام مضى عهد النوم، أصبح المؤمن مطالبًا بأن يكون قسطه
من النوم مجرد استعداد لاستئناف حياة من البذل والجهاد. فنومها إلى الساعة
العاشرة ضحى، ثم بعد صلاة الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل _ هذا الأمر لا
يسوغ، والرجل مثلها في ذلك، ومعاذ – رضي الله عنه - كان يقول لأبي موسى
-وهما باليمن- حين سأله عن قراءته للقرآن: "أنام أول الليل؛ فأقوم وقد
قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب
قومتي"( )، والحديث في البخاري .
فكون الإنسان قليل النوم، فإن ذلك مما يمدح به الرجل والمرأة على حدٍّ
سواء، والاقتصاد في هذا الأمر ممكن، فالعلماء في السابق كانوا يقولون: إن
القدر المعتدل من النوم ما بين ست إلى ثمان ساعات يوميًّا، وهذا الكلام
ذكره جماعة من السابقين، ونقلوا إجماع الأطباء عليه.
الإضاءة الثانية:
تنظيم الوقت وترتيب الأولويات: قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه
الشيخان- لعبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-:"فإن لجسدك عليك
حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لِزَوْرك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك
حقًّا"( )، وفي قصة سلمان مع أبي الدرداء -رضي الله عنهما-، قال سلمان له:
"إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي
حق حقه"، فأتى أبو الدرداء النبي – صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له،
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "صدق سلمان"
وقوله – رضي الله عنه - : "فأعط كل ذى حقٍ حقه" يدل على أن سوء التوزيع يكون سببًا في ضياع الثروة.
وإذا كانت أغلى ثروة تملكها هي الوقت؛ فإن سوء توزيع الوقت من أسباب
الضياع الذي يعيشه كثير من المسلمين، ولو أن المرأة أفلحت في ضبط وقتها
وتوزيعه بطريقة معتدلة؛ لكسبت شيئًا كثيرًا.
ومن العدل ترتيب الأولويات والمهمات، فالفرض -مثلاً- يقدم على النفل،
وربنا تعالى يقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري"... وما تقرب إليّ
عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل
حتى أحبه… "( ) إذًا الفرائض أولاً ثم النوافل في مرتبة تليها؛ لأنّ الله
تعالى لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى فريضة، كما قال أبو بكر – رضي الله عنه -
في وصيته.
فالفرض يقدم على النفل، والضرورات تقدم على الحاجات، والحاجات تقدم على الأمور التكميلية التحسينية، وهذا إذا صار هناك تعارض.
فليس من العدل أن تهمل المرأة زوجها وبيتها وأولادها بحجة أنها مشغولة
بالدعوة، كما أنه ليس من العدل أن يهمل الرجل بيته وزوجه وأولاده، بحجة
أنه مشغول بالدعوة، وليس من العدل أن تغفل المرأة الداعية عن عملها
الوظيفي الذي تتقاضى عليه مرتبًا من الأمة، أو تغفل عن عملها الدعوي الذي
هي فيه على ثغرة من ثغور الإسلام، يُخشى أن يؤتى الإسلام من قبلها، فإذا
ضاقت عليها الأوقات، فبإمكانها أن تسند بعض المهمات إلى أخريات يتحملن
معها المسؤولية، وتقوم هي بدور التوجيه والإشراف.
الإضاءة الثالثة:
مجالات الدعوة تشمل كل مناحي الحياة: وهذه الإضاءة مستمدة من قوله تعالى:
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين)
[الأنعام:161-162]. ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري
عن جابر، ومسلم عن حذيفة -رضي الله عنهما-:"كلُّ معروف صدقة( )"، و"كل "
من ألفاظ العموم. ويقول – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد، والترمذي،
والحاكم عن جابر – رضي الله عنه - : "وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه
طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك"( )، ويقول – صلى الله عليه وسلم -
فيما رواه الطيالسي، وأحمد، والنسائي عن عمرو بن أمية الضمري -: "كل ما
صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم "( )، والكلام للرجل والمرأة -أيضًا- على حد
سواء؛ بل في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: يقول
النبي – صلى الله عليه وسلم -: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع
فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته: فتحمله
عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة
تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقـة"( ). إذًا الصدقات
كثيرة جدًّا، فعمل المرأة ودعوتها يمكن أن يكون لزوجها، سواء كان زوجها
ملتزمًا، أو عاديًّا، أو منحرفًا.
إنّ قيام فتاة بتأمين الجبهة الداخلية لداعية، بمعنى أنها تقف وراءه،
وتحفظه في نفسها، وفي ماله، وولده، وتسدّ هذه الثغرة الخطيرة التي يمكن أن
تشغله عن دعوته، أو على الأقل تجعله ينطلق في دعوته وهو يشعر أنه مشدود
إلى الوراء، وأن همّ البيت يقيده ويخايله أبدًا، إن ذلك جزء من مهمتها،
ومن دعوتها.
وإن قيامها بتحويل زوجها من إنسان عادي همه الدنيا، إلى إنسان داعية يشتعل
في قلبه هم الإسلام، هذه دعوة، أو حتى قيامها بدعوة زوجها، من زوج منحرف
ضال، مقصر في الصلاة، أو مرتكب للحرام، إلى إنسان صالح مستقيم؛ هذا جزء من
الدعوة، ويمكن أن يكون لها في ذلك أثر كبير.
كما أنّ تربية أولادها على الخير، وتنشئتهم على الفضيلة هو جزء من دعوتها
ومسؤوليتها، ونحن نعرف جميعًا ما هي الأجواء التي تربى فيها عبد الله بن
عمر، أو عبد الله بن الزبير، أو عبد الله بن عمرو بن العاص، أو غيرهم من
شباب الصحابة، وأي نساء قمن بتربيتهم.
كما أن تدريس المرأة في مدرستها لا يجوز أبدًا أن يكون عملاً وظيفيًّا
آليًّا تقوم به، فنحن لا يهمنا أن تتخرج البنت وقد حفظت نصوص البلاغة
فحسب، أو حفظت المعادلات الرياضية فحسب، أو أتقنت التفاعلات الكيماوية، أو
معادلات الجبر. وهذا كله جزء من المقرر، ونحن نقول: لا تثريب على المعلمة
في تدريسه والحرص عليه، ولكن كل هذه المواد، ومواد اللغة، ومواد الشريعة،
وكل ما يقدم للبنت- وللرجل كذلك- فإنه يهدف إلى غاية واحدة فقط، وهي بناء
الرجل الصالح والمرأة الصالحة، بناء الإنسان المتدين المستقيم الصالح، هذا
هو الهدف، فلا يجوز أن ننشغل بالوسيلة عن الهدف والغاية.
الآن ما من بنت إلا وتدرس في المدرسة، فلو وجدنا في كل مدرسة معلمة ناصحة
واعية مخلصة؛ معنى ذلك أننا استطعنا أن نوصل صوت الخير إلى كل فتاة، وهذا
مكسب عظيم جدًّا إذا حققناه.
كما أنه من الممكن أن تحرص المعلمة على إقامة الجسور والعلاقات الأخوية
الودية مع زميلاتها المدرسات، ومع طالبتها، وطالما سمعنا ثناء الجميع على
معلمة؛ لحسن خلقها، وطيب معشرها، وطالما استطاعت معلمة واحدة، أو مشرفة،
أو إدارية، أن تقلب المدرسة كلها رأسًا على عقب؛ بل إنني أعرف حالات
استطاعت مدرسة واحدة، في مطلع حياتها الوظيفية، أن تقلب قرية بأكملها
وتحول الفتيات فيها إلى فتيات صالحات متدينات.
الإضاءة الرابعة : عمل الداعية في بيتها:
وفي مجال عمل الداعية في بيتها، أقترح بعض الاقتراحات السريعة، منها:
أولاً: أن توفر المرأة مكتبة صغيرة للقراءة تضم مجموعة من الكتب الصغيرة
المناسبة، يكون فيها: كتب توجيهية، قصص، كتب وعظية، بيان أحكام الصلاة،
الأشياء التي يحتاج إليها في البيت، تعليم أمور العقيدة…
ثانيًا: ومن المقترحات توفير مكتبة صوتية، تحتوي على عدد طيب من الأشرطة
الإسلامية المفيدة: أشرطة في القرآن الكريم، أشرطة في السنة النبوية،
أشرطة في الدروس والمحاضرات، أشرطة توجيهية، بيان بعض الأحكام التي يحتاج
إليها أهل المنـزل، حتى بعض الأشرطة المفيدة الترفيهية في حدود المباح.
ثالثًا: من المقترحات عقد حلقة أسبوعية لأهل البيت، درس أسبوعي لأهل
البيت، تجتمع فيه النساء الكبار والصغار، ويتلقون فيه أشياء يسيرة: آية
محكمة، سنة من سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، تدريب على عبادة من
العبادات، تعليم عقيدة من العقائد، تربية، قصة، أنشودة، قصيدة…، وما إلى
ذلك.
رابعًا: من المقترحات، تحسين العلاقة مع كافة أفراد المنـزل؛ تمهيدًا
لدعوتهم إلى الله، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فإن المرأة إذا
كانت في البيت- سواء كانت زوجة أو بنتًا- واستطاعت أن تكون محبوبة عند
الأم، وعند الأب، وعند إخوانها، وعند أخواتها_ فإنها تستطيع أن تؤثر فيهم
كثيًرا، لكن إذا كانت الأمور على النقيض؛ فهي كمن يضرب في حديد بارد.
خامسًا: مراعاة كبار السن وصعوبة التأثير عليهم، فكثيرًا ما تشتكي الفتيات
من المرأة الكبيرة السن، قد تكون أمها، أو أم زوجها، أو خالتها، أو
قريبتها، وأن هؤلاء النسوة لا يقبلن التوجيه، وإذا قيل لإحداهن شيء؛ قالت:
أنتم تحرمون كل شيء! أنتم دينكم جديد! أنتم كذا، أنتم كذا…
إن على الأخت الداعية أن تراعي حال مثل هؤلاء النساء كبيرات السن.
سادسًا: من الحلول: مراعاة الحاجة إلى أسلوب ملائم في الدعوة، يتميز
بالمدح والمؤانسة، وتطييب قلوب وخواطر الآخرين، بتقديم النصيحة لهم في
قالب من الود والمحبة، ويمكن أن يأتي هنا دور الهدية؛ فإنها تسلُّ السخيمة
من القلوب
وليعظم الأجر لمن يصدق في البذل والتضحية في سبيل نشر هذا الدين والعمل له
،وسوف نستعرض في هذه الحلقات بعض المشكلات والعقبات التي تواجه الدعوة في
الأوساط النسائية مع اقتراح بعض الحلول لها علها تنفع الداعيات بإذن الله
تعالى
المشكلة الأولى: قلة عدد النساء الداعيات:
وهذه القلة يعاني منها الكثيرون؛ ولذلك نجد جهلاً كبيرًا في أوساط
الفتيات، حتى في المدن، فضلاً عن القرى والأرياف، والمناطق النائية.
حلول هذه المشكلة:
والحل أمام هذه المشكلة يتمثل في عدة أمور أعرضها باختصار؛
الحل الأول : أن تحرص الأخت المسلمة على مشاركة جميع النساء في الدعوة إلى
الله -تعالى-، حتى مع وجود شيء من التقصير. وينبغي أن نضع في أذهان النساء
والرجال -أيضًا- أنه لا يشترط في الداعية أن تكون كاملة؛ فالكمال في البشر
عزيز، وما من إنسان إلا وفيه نقص، لكن هذا النقص لا يمكن أن يحول بين ذلك
الإنسان، وبين قيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى، فأنت تدعو إلى ما عملت؛
بل حتى مالم تعمل به، تدعو إليه بطريقتك الخاصة.
فالإنسان المقصر مثلاً، -رجلاً كان أو امرأة- يمكن أن يبين للناس أن تلك
الأخطاء التي وقع فيها ندم عليها، واستغفر الله منها، ثم يدعوهم لأن
يكونوا أقوى منه عزيمة، وأصلب إرادة، وأصدق إيمانًا، وأخلص لله – عز وجل
-؛ حتى ينجحوا فيما فشل فيه هو. وبذلك يكون هذا الإنسان المقصر، قد دلَّ
على الخير، وله بذلك أجر فاعله - كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله
عنه -( )، حتى ولو كان مقصرًا فيه.
ولو لم يعظ في الناسِ من هو مذنبُ
فمنَ يعظُ العاصين بعـد محمــدِ
ولذلك قال الأصوليون: حق على من يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا!
فوقوع الإنسان في المعصية، لا يسوغ له ترك النهي عنها أبدًا؛ بل ينهى عن
المعصية ولو كان واقعًا فيها، ويأمر بالمعروف ولو كان تاركًا له، وإن كان
الأكمل والأفضل والأدعى للاقتفاء سيرة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-:
(قَالَ يَا قَوْمِ أرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي
وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْـهِ أُنِيبُ) [هود : 88 ]0
إذًا حتى مع التقصير، يجب أن تجر الأخت الداعية الأخريات إلى المشاركة،
فمثلاً بعض الطالبات في المدارس: يمكن أن تشارك الطالبة في إلقاء كلمة، في
توجيه، في إعداد بحث مصغر، في أمور معينة، تحدّث فيها بنات جنسها، من خلال
حلقة المسجد، أو من خلال الدرس، أو أي مناسبة أخرى.. مع مراعاة تعهد هذه
الفتاة بالتوجيه والنصح؛ فكونها قامت، وتكلمت، أو ألقت محاضـرة، أو كلمة
أو أعدَّت بحثًا؛ لا يعني ذلك أنها جاوزت القنطرة، وأصبحت داعية، لا يوجه
إليها أي طلب؛ بل تأمر الناس ولا تؤمر هي!.. كلا؛ بل هي الأخرى أحوج ما
تكون إلى من يقوِّم سيرتها، وينصحها بإتباع القول بالعمل، ويحذرها من
الاغترار والعجب، ويدعوها إلى مواصلة الطريق، والتزود من العلم النافع،
والعمل الصالح.
إن من المهم أن تُتعاهد هذه الفتاة، ويُحرص عليها، وتُنصح، وتوضع في
موضعها الطبعي، فلا يبالغ في الثقة بها، وإطلاق الصفات عليها، بما قد يضر
بها.
ولذلك فإنه يجب أن نفرق بين أمرين:
الأول: أن نحرم تلك الفتاة من حقها في الدعوة والمشاركة؛ بسبب صغر سنها وقلة خبرتها، فهذا لا يصلح.
الثاني: أن نضع في يدها الأمر كله من الألف إلى الياء، وهذا أيضًا لا يصلح.
بل ينبغي أن تكون في مجال التدريب والمساهمة والمشاركة مع أخريات، وأن
نتعاهدها بالنصح والتوجيه، فنقول لها: أصبت هنا، وهنا كنت تحتاجين إلى
مزيد من دراسة الأمر مما أدى إلى الخطأ الذي ينبغي تجنبه.. وفي ميدان
الدعوة تنمو الخبرات، وتكثر التجارب.
الحل الثاني: الاتجاه نحو الجهود العامة:
فبعض النساء تجعل في بيتها جلسة خاصة، أو درسًا خاصًّا، لخمس نسوة فقط من
جيرانها، فلو أنها أقامت محاضرة، أو درسًا عامًّا، أو أمسية؛ لكان من
الممكن أن يشمل مئات النساء، فيكون هذا الجهد المحدود الذي صرفته إلى خمس،
كان من الممكن أن تصرفه إلى خمسين أو إلى خمس مئة امرأة.
بطبيعة الحال، نحن لا نقلل من أهميّة الدروس والجلسات الخاصة؛ فلها أهميتها ولايمكن الاستغناء عنها أو إهمالها.
ولكن مع ذلك فقيام المرأة بنشاط عام: كمحاضرة، أو درس عام، أو ندوة.._
يكون أبلغ في التأثير، وأوسع في المنطقة التي تخاطبها. وبمعنى آخر فالمجلس
الخاص قد يكون أقوى في الامتداد الرأسي، والمجالس العامة أقوى في الامتداد
الأفقي، أي أنه يشمل التأثير على عدد أكبر، وفي كلٍ خير.
الحل الثالث:
التركيز على إعداد جيل من الداعيات ممن يحملن همّ الإسلام، وتنمية معاني الدعوة لديهن.
قد تكون زوجتك -مثلاً- تصلح لهذا، فلا يجوز أن يكون زواجها نهاية المطاف،
أختك، قريبتك، بنت أختك، ذات محرمك؛ ينبغي أن تحرص على إعدادها لتكون
داعية إلى الله تعالى. وكذلك النساء الداعيات من المدرسات، ينبغي أن
يعتنين بإعداد نوعيات من الفتيات، وتهيئتهن وتأهيلهن للقيام بهذه المهمة
الصعبة؛ لأن واحدة من النساء يمكن أن تقوم عن عشر، وكما يقال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ
وواحدٌ كالألفِ إن أمرٌ عَنَا
وهذا صحيح، فربما غلبت امرأة آلاف الرجال، ومن يستطيع أن يأتي في عيار أم
المؤمنين عائشة ،أو خديجة، أو حفصة أو زينب أو أم سلمة - رضي الله
عنهن-...، أو غيرهنَّ من المؤمنات الأُول؟ حتى كبار الرجال تتقاصر هممهم
دونهن، ولازال في هذه الأمة خيرٌ رجالاً، ونساء.
الحل الرابع: الاستفادة من النشاطات الرجالية:
فلماذا نتصور أن نشاط المرأة ينبغي أن يكون محصورًا؟ فالنشاطات الرجالية:
كالدروس -مثلاً-، والمحاضرات، والندوات معظم الكلام الذي يقال فيها يصلح
للرجال ويصلح للنساء أيضًا، والشرع جاء للرجل والمرأة، وخاطب الجنسين
معًا، وما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.
المشكلة الثانية: صعوبة التوفيق بين العمل والدعوة والشؤون المنـزلية:
وهذه -بلا شك- معضلة حقيقية، فالمرأة أمامها العمل، وأمامها الدعوة،
وأمامها الأمور المنـزلية: البيت، الزوج، الأولاد…، إلى غير ذلك، ولعلي لا
أتجاوز الحقيقية إذا قلت: إنها أكبر مشكلة تواجه الداعيات، وعلى عتبتها
تتحطم الكثير من الآمال والطموحات. فكم من فتاة تشتعل في قلبها جذوة
الحماس إلى الدعوة إلى الله تعالى، وتعيش في مخيلتها الكثير من الأحلام
والأمنيات، فإذا تزوجت وواجهت الحياة العملية؛ تبخَّرت تلك الآمال، وذابت
تلك المشاعر، ولم تعد تملك منها إلا الحسرات والأنات، والآهات والزفرات،
والذكريات! حتى أصبح كثير من الفتيات الآن لا يملكن إلا أن يقلن: كنت أفعل
كذا، وكنت أفعل كذا، لكنهن لا يستطعن بحال أن يقلن: نحن نفعل الآن كذا
وكذا.
حلول هذه المشكلة :
إنني لا أزعم أنني أملك حلاً لهذه المعضلة، لكني أحاول المشاركة ببعض الحلول من خلال إضاءات أبينها فيما يلي:
الإضاءة الأولى: تقوى الله – عز وجل - :
إن أول إضاءة في هذا الطريق هي قول الله – عز وجل -: (فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ
ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
[الطلاق: 2، 3]، ويقول الله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ
إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5]، ويقول الله تعالى: (يِا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]. فالتقوى هي أول حل: أن يتقي العبد
ربه، وتتقي الأمة ربها جل وعلا في نفسها، وفي وقتها، وفي زوجها، وفي
عملها، وفي مسئوليتها.
والتقوى ليست معنى غامضًا كما يتصور البعض؛ بل يمكن أن نحدد التقوى في بعض النقاط والأمثلة التالية:
من التقوى: أن تختصر الفتاة ثلاث ساعات تجلسها أمام المرآة، وهي تعبث
بالأصابع، وترسم وتمسح، وتزين شعرها؛ لتصبح هذه الساعات الثلاث نصف ساعة
-مثلاً-، أو ثلث ساعة، دون تفريط في العناية بجمالها لزوجها، الذي هو جزء
من شخصيتها، وجزء من فطرتها.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة مكالمة هاتفية ساعتين مع زميلتها في أحاديث
لا جدوى من ورائها؛ لتكون هذه المكالمة ربع ساعة، أو عشر دقائق في السؤال
عن الحال والعيال، وغير ذلك…، أو المناقشة في موضوعات تهمّ الطرفين دينًا
أو دنيا.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة الوقت المخصص لصناعة الحلوى -مثلاً- من ساعة
ونصف إلى صناعة جيدة وجاهـزة، لا يستغرق تحضيرها –أحيانًا- نصف ساعة.
ومن التقوى: أن تقتصد المؤمنة في نومها، فالنوم من صلاة الفجر إلى الساعة
العاشرة، وبعد الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل _ هذا من عادات الجاهلية،
وامرؤ القيس لما كان يمدح معشوقته، كان يقول: نؤوم الضحى، فيمدحها بكثرة
نومها، لكن في الإسلام مضى عهد النوم، أصبح المؤمن مطالبًا بأن يكون قسطه
من النوم مجرد استعداد لاستئناف حياة من البذل والجهاد. فنومها إلى الساعة
العاشرة ضحى، ثم بعد صلاة الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل _ هذا الأمر لا
يسوغ، والرجل مثلها في ذلك، ومعاذ – رضي الله عنه - كان يقول لأبي موسى
-وهما باليمن- حين سأله عن قراءته للقرآن: "أنام أول الليل؛ فأقوم وقد
قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب
قومتي"( )، والحديث في البخاري .
فكون الإنسان قليل النوم، فإن ذلك مما يمدح به الرجل والمرأة على حدٍّ
سواء، والاقتصاد في هذا الأمر ممكن، فالعلماء في السابق كانوا يقولون: إن
القدر المعتدل من النوم ما بين ست إلى ثمان ساعات يوميًّا، وهذا الكلام
ذكره جماعة من السابقين، ونقلوا إجماع الأطباء عليه.
الإضاءة الثانية:
تنظيم الوقت وترتيب الأولويات: قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه
الشيخان- لعبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-:"فإن لجسدك عليك
حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لِزَوْرك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك
حقًّا"( )، وفي قصة سلمان مع أبي الدرداء -رضي الله عنهما-، قال سلمان له:
"إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي
حق حقه"، فأتى أبو الدرداء النبي – صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له،
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "صدق سلمان"
وقوله – رضي الله عنه - : "فأعط كل ذى حقٍ حقه" يدل على أن سوء التوزيع يكون سببًا في ضياع الثروة.
وإذا كانت أغلى ثروة تملكها هي الوقت؛ فإن سوء توزيع الوقت من أسباب
الضياع الذي يعيشه كثير من المسلمين، ولو أن المرأة أفلحت في ضبط وقتها
وتوزيعه بطريقة معتدلة؛ لكسبت شيئًا كثيرًا.
ومن العدل ترتيب الأولويات والمهمات، فالفرض -مثلاً- يقدم على النفل،
وربنا تعالى يقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري"... وما تقرب إليّ
عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل
حتى أحبه… "( ) إذًا الفرائض أولاً ثم النوافل في مرتبة تليها؛ لأنّ الله
تعالى لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى فريضة، كما قال أبو بكر – رضي الله عنه -
في وصيته.
فالفرض يقدم على النفل، والضرورات تقدم على الحاجات، والحاجات تقدم على الأمور التكميلية التحسينية، وهذا إذا صار هناك تعارض.
فليس من العدل أن تهمل المرأة زوجها وبيتها وأولادها بحجة أنها مشغولة
بالدعوة، كما أنه ليس من العدل أن يهمل الرجل بيته وزوجه وأولاده، بحجة
أنه مشغول بالدعوة، وليس من العدل أن تغفل المرأة الداعية عن عملها
الوظيفي الذي تتقاضى عليه مرتبًا من الأمة، أو تغفل عن عملها الدعوي الذي
هي فيه على ثغرة من ثغور الإسلام، يُخشى أن يؤتى الإسلام من قبلها، فإذا
ضاقت عليها الأوقات، فبإمكانها أن تسند بعض المهمات إلى أخريات يتحملن
معها المسؤولية، وتقوم هي بدور التوجيه والإشراف.
الإضاءة الثالثة:
مجالات الدعوة تشمل كل مناحي الحياة: وهذه الإضاءة مستمدة من قوله تعالى:
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين)
[الأنعام:161-162]. ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري
عن جابر، ومسلم عن حذيفة -رضي الله عنهما-:"كلُّ معروف صدقة( )"، و"كل "
من ألفاظ العموم. ويقول – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد، والترمذي،
والحاكم عن جابر – رضي الله عنه - : "وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه
طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك"( )، ويقول – صلى الله عليه وسلم -
فيما رواه الطيالسي، وأحمد، والنسائي عن عمرو بن أمية الضمري -: "كل ما
صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم "( )، والكلام للرجل والمرأة -أيضًا- على حد
سواء؛ بل في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: يقول
النبي – صلى الله عليه وسلم -: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع
فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته: فتحمله
عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة
تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقـة"( ). إذًا الصدقات
كثيرة جدًّا، فعمل المرأة ودعوتها يمكن أن يكون لزوجها، سواء كان زوجها
ملتزمًا، أو عاديًّا، أو منحرفًا.
إنّ قيام فتاة بتأمين الجبهة الداخلية لداعية، بمعنى أنها تقف وراءه،
وتحفظه في نفسها، وفي ماله، وولده، وتسدّ هذه الثغرة الخطيرة التي يمكن أن
تشغله عن دعوته، أو على الأقل تجعله ينطلق في دعوته وهو يشعر أنه مشدود
إلى الوراء، وأن همّ البيت يقيده ويخايله أبدًا، إن ذلك جزء من مهمتها،
ومن دعوتها.
وإن قيامها بتحويل زوجها من إنسان عادي همه الدنيا، إلى إنسان داعية يشتعل
في قلبه هم الإسلام، هذه دعوة، أو حتى قيامها بدعوة زوجها، من زوج منحرف
ضال، مقصر في الصلاة، أو مرتكب للحرام، إلى إنسان صالح مستقيم؛ هذا جزء من
الدعوة، ويمكن أن يكون لها في ذلك أثر كبير.
كما أنّ تربية أولادها على الخير، وتنشئتهم على الفضيلة هو جزء من دعوتها
ومسؤوليتها، ونحن نعرف جميعًا ما هي الأجواء التي تربى فيها عبد الله بن
عمر، أو عبد الله بن الزبير، أو عبد الله بن عمرو بن العاص، أو غيرهم من
شباب الصحابة، وأي نساء قمن بتربيتهم.
كما أن تدريس المرأة في مدرستها لا يجوز أبدًا أن يكون عملاً وظيفيًّا
آليًّا تقوم به، فنحن لا يهمنا أن تتخرج البنت وقد حفظت نصوص البلاغة
فحسب، أو حفظت المعادلات الرياضية فحسب، أو أتقنت التفاعلات الكيماوية، أو
معادلات الجبر. وهذا كله جزء من المقرر، ونحن نقول: لا تثريب على المعلمة
في تدريسه والحرص عليه، ولكن كل هذه المواد، ومواد اللغة، ومواد الشريعة،
وكل ما يقدم للبنت- وللرجل كذلك- فإنه يهدف إلى غاية واحدة فقط، وهي بناء
الرجل الصالح والمرأة الصالحة، بناء الإنسان المتدين المستقيم الصالح، هذا
هو الهدف، فلا يجوز أن ننشغل بالوسيلة عن الهدف والغاية.
الآن ما من بنت إلا وتدرس في المدرسة، فلو وجدنا في كل مدرسة معلمة ناصحة
واعية مخلصة؛ معنى ذلك أننا استطعنا أن نوصل صوت الخير إلى كل فتاة، وهذا
مكسب عظيم جدًّا إذا حققناه.
كما أنه من الممكن أن تحرص المعلمة على إقامة الجسور والعلاقات الأخوية
الودية مع زميلاتها المدرسات، ومع طالبتها، وطالما سمعنا ثناء الجميع على
معلمة؛ لحسن خلقها، وطيب معشرها، وطالما استطاعت معلمة واحدة، أو مشرفة،
أو إدارية، أن تقلب المدرسة كلها رأسًا على عقب؛ بل إنني أعرف حالات
استطاعت مدرسة واحدة، في مطلع حياتها الوظيفية، أن تقلب قرية بأكملها
وتحول الفتيات فيها إلى فتيات صالحات متدينات.
الإضاءة الرابعة : عمل الداعية في بيتها:
وفي مجال عمل الداعية في بيتها، أقترح بعض الاقتراحات السريعة، منها:
أولاً: أن توفر المرأة مكتبة صغيرة للقراءة تضم مجموعة من الكتب الصغيرة
المناسبة، يكون فيها: كتب توجيهية، قصص، كتب وعظية، بيان أحكام الصلاة،
الأشياء التي يحتاج إليها في البيت، تعليم أمور العقيدة…
ثانيًا: ومن المقترحات توفير مكتبة صوتية، تحتوي على عدد طيب من الأشرطة
الإسلامية المفيدة: أشرطة في القرآن الكريم، أشرطة في السنة النبوية،
أشرطة في الدروس والمحاضرات، أشرطة توجيهية، بيان بعض الأحكام التي يحتاج
إليها أهل المنـزل، حتى بعض الأشرطة المفيدة الترفيهية في حدود المباح.
ثالثًا: من المقترحات عقد حلقة أسبوعية لأهل البيت، درس أسبوعي لأهل
البيت، تجتمع فيه النساء الكبار والصغار، ويتلقون فيه أشياء يسيرة: آية
محكمة، سنة من سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، تدريب على عبادة من
العبادات، تعليم عقيدة من العقائد، تربية، قصة، أنشودة، قصيدة…، وما إلى
ذلك.
رابعًا: من المقترحات، تحسين العلاقة مع كافة أفراد المنـزل؛ تمهيدًا
لدعوتهم إلى الله، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فإن المرأة إذا
كانت في البيت- سواء كانت زوجة أو بنتًا- واستطاعت أن تكون محبوبة عند
الأم، وعند الأب، وعند إخوانها، وعند أخواتها_ فإنها تستطيع أن تؤثر فيهم
كثيًرا، لكن إذا كانت الأمور على النقيض؛ فهي كمن يضرب في حديد بارد.
خامسًا: مراعاة كبار السن وصعوبة التأثير عليهم، فكثيرًا ما تشتكي الفتيات
من المرأة الكبيرة السن، قد تكون أمها، أو أم زوجها، أو خالتها، أو
قريبتها، وأن هؤلاء النسوة لا يقبلن التوجيه، وإذا قيل لإحداهن شيء؛ قالت:
أنتم تحرمون كل شيء! أنتم دينكم جديد! أنتم كذا، أنتم كذا…
إن على الأخت الداعية أن تراعي حال مثل هؤلاء النساء كبيرات السن.
سادسًا: من الحلول: مراعاة الحاجة إلى أسلوب ملائم في الدعوة، يتميز
بالمدح والمؤانسة، وتطييب قلوب وخواطر الآخرين، بتقديم النصيحة لهم في
قالب من الود والمحبة، ويمكن أن يأتي هنا دور الهدية؛ فإنها تسلُّ السخيمة
من القلوب