هي (زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية) الشابة الشريفة الحسناء، سليلة بني أسد بن خزيمة المضري، وحفيدة عبد المطلب بن هاشم، أمها (أميمة بنت عبد المطلب) عمة النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمها (برّة) فلما تزوجها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سمّاها (زينب). زوّجها الرسول الكريم من مولاه زيد بن حارثة وكان عبداً رقيقاً، أحبّه الرسول الكريم حباً شديداً، ولما سمع به أبوه وعمه أتيا مكة قبل البعثة، وطلبا ابنهما زيداً من النبي صلى الله عليه وسلم، وعرضوا عليه المال لأخذه، فأشار عليهم النبي بأن يخيّروا زيداً، بين أن يذهب معهم، أو يبقى معه، فوافقوا على ذلك، فلما خيّروا زيداً، اختار زيد أن يبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أبوه لأنه اختار العبودية على الحرية، وعندما سمع النبي محمد صلى الله عليه وسلم كلامهما، ذهب به إلى الكعبة وقال: - إني أشهدكم يا معشر قريش أن زيداً ابني، وصار اسمه من اليوم (زيد بن محمد). |
خطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لزيد ابنة عمته زينب، ولما سمعت زينب بالخطبة كرهتها كما كرهها أخوها من قبل، لأنه مولى فقير كانت قد اشترته خديجة (رضي الله عنها) من حكيم بن حزام وأهدته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي ذات حسب ونسب، ورأى أن في هذا الزواج عاراً عليها وعلى أسرتها، وقالت للرسول (عليه الصلاة والسلام): - لا أتزوج أبداً، وأنا سيدة عبد شمس. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "بل فانكحيه، فإني قد رضيته لك". وقبل أن تجيب زينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فيهما قول الله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً﴾. (الأحزاب/36) عندما سمعت زينب وأخوها كلام الله قالا للرسول صلى الله عليه وسلم: "سمعاً وطاعة يا رسول الله".. وساق زيد إلى بني جحش عشرة دنانير وستين درهماً، ودرعاً، وخماراً، وملحفة، وأزراداً، وخمسين مداً من الطعام، وعشرة أمداد من التمر، أعطاه ذلك كله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. وتزوجت (زينب) زيداً امتثالاً لأمر الله ورسوله، والتزاماً بالمبدأ الإسلامي الذي يجعل الناس لا يتفاضلون إلا بالتقوى. وتبقى النفوس البشرية نفوساً بشرية، والضعف ضعفاً.. لم يكن زيد جميل الصورة والشكل، ولم ينشرح قلب (زينب) له، وأخذت تتعالى عليه بحسبها ونسبها.. فلم تصف لهذين الزوجين الحياة السعيدة، وقاسى زيد من صدها وتعاليها وكِبرها الشيء الكثير، فكانت تؤذيه بلسانها وترفُّعها، فاشتكى ذلك إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول له: "أمسك عليك زوجك". وكان النبي يريد من وراء ذلك كسر العادة عند العرب، بأن الأصيلة لا يتزوجها إلا أصيل، ولكن الخصام والخلاف اشتدّا بين الزوجين إلى أن كان الفراق وكان الطلاق.. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم في نفسه أن زينب ستكون زوجة له، ولكنه وجد في نفسه حرجاً من أن يبوح بالسرّ، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدراً مقدوراً﴾ (الأحزاب/38). وكان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب، لكي تتكسّر عادة أخرى وهي أنه يجوز للرجل أن يتزوّج زوجة ابنه في التبني، فيلغي بذلك نظام التبني الذي كان سائداً لديهم.. وذات يوم وبينما الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) جالس يتحدث عند عائشة أخذته غشية، فسرّي عنه وهو يبتسم ويقول: "من يذهب إلى زينب ويبشرها؟". وكافأ الله تعالى زينب على صبرها وامتثالها لأمره تعالى وأمر رسوله الكريم بأعظم شرف وهو الزواج من النبيّ الكريم منها. وعندما سمعت زينب بشرى زواجها من الرسول الكريم، تركت ما بيدها وقامت تصلي لربها شاكرة، وكانت وليمة العرس مشهودة، فقد ذبح المصطفى شاة وأمر (أنس بن مالك) أن يدعو الناس إلى الوليمة فتوافدوا أفواجاً، يأكل قوم فيخرجون، ثم يدخل فوج آخر وهكذا.. ودخل محمد (صلى الله عليه وسلم) ببنت عمته التي زوّجه الله منها حين أنزل في كتابه العزيز: ﴿فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها﴾ (الأحزاب/ 37). كانت زينب تفخر على أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وتقول: (زوجكنّ أهاليكنّ وزوجني الله من فوق سبع سماوات). عندما سمع المنافقون بزواج الرسول من زوجة ابنه قالوا: - حرّم محمد نساء الولد، وهاهو يتزوّج امرأة ابنه. فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم﴾ الأحزاب الآية: (40). وقال أيضاً في كتابه العزيز: ﴿ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله﴾ الأحزاب – الآية: (5). فدعي من يومها (زيد بن حارثة) نسبة إلى أبيه حارثة. كانت زينب صالحة تقيّة، صادقة التديّن حتى قالت فيها عائشة رضي الله عنها: (لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يتصدّق به ويتقرّب به إلى الله عزّ وجل). وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: "إن زينب بنت جحش أوّاهة". فقال رجل: - يا رسول الله ما الأوّاه؟ قال: الخاشع المتضرع. ثم تلا عليه الصلاة والسلام: ﴿إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب﴾.. وكانت إلى ذلك كلّه كريمة خيّرة، تصنع بيديها ما تُحسن صنعه ثم تتصدّق به على المساكين، عيال الله الذي أكرمها وأعزَّها وآثرها بما لم يؤثر به زوجة سواها. قالت عائشة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أسرعكنّ لحاقاً بي أطولكنّ يداً.. فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمدّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب امرأة صناع اليد، تدبغ وتخرز، وتتصدّق في سبيل الله.." حين حضرت الوفاة السيدة زينب قالت: "إني قد أعددت كفني، وإن عمر أمير المؤمنين سيبعث إليَّ بكفن، فتصدقوا بإحداهما، وإن استطعتم أن تتصدقوا بإزاري فافعلوا." ذكرتها أم سلمة حين توفيت، فترحمت عليها ثم قالت: كانت زينب صالحة قوّامة، صوّامة، صناعاً وتتصدق بذلك كله على المساكين. وقالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها حين بلغها نعي زينب: - لقد ذهبت حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل. صلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشيعها أهل المدينة إلى البقيع، وكانت أول من مات من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وعمرها ثلاث وخمسون سنة، فكانت أسرع أمهات المؤمنين لحاقاً بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.. رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.. |
تعرف الى سلفك الصالح : زينب بنت جحش رضي الله عنها
ابو قدس- boss
- عدد المساهمات : 13
صوت : 25
تاريخ التسجيل : 24/12/2009
العمر : 48
الموقع : abd_hms.maktoobblog.com
- مساهمة رقم 1